Site icon Qatar leaks

مسرحية الإصلاح السياسي في قطر

تميم بن حمد آل ثاني

تحول جذري أم مجرد تلميع الصورة؟

ترافقت الانتخابات التي أجريت مؤخرا في قطر لمجلس الشورى مع كثير من الضجيج الإعلامي داخل قطر وخارجها، واعتبرها الموقف الرسمي خطوة مهمة نحو إرساء الديمقراطية في البلاد، وتصب في طموح قطر بأن يُنظر إليها على أنها دولة تقدمية ومتطلعة للمستقبل بين الدول العربية الأخرى في المنطقة، متناسية القيود على الناخبين وأعضاء المجلس والتي حدت من حقهم في الانتخاب.

انتخابات مجلس الشورى

وفي الواقع، من السذاجة بمكان توقع أن الانتخابات لهيئة استشارية فقط ستحدث فرقا جوهريا ما لم يتم إصلاح الهيكل السياسي، تحديدا البيت الحاكم، الذي يخشى بشدة من مشاركة سياسية يمكن أن تهدد سيطرته، والذي لن يتحمل رؤية ضربة قاضية لاحتكاراته، فعلى مدى عقود، طور نظام الحمدين “استراتيجية” لتوطيد سلطته، فظهر كأوليغارشية حاكمة مكونة من أمير وأفراد أسرته.

لذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت الإصلاحات ستؤدي إلى أي مشاركة وتمثيل سياسي ذي مغزى، خصوصا أن الإصلاحات السابقة لم تعالج القضية المركزية للتمثيل المتساوي لجميع القطريين، بالتالي ستبقى الديمقراطية واجهة مشوبة تخفي خلفها حقيقة التمييز والاستبداد.

مجلس الشورى

تأسس مجلس الشورى في السبعينيات، ومن ثم فهو ليس ابتكارا جديدا، في بدايته كان يتألف من 15 عضوا فقط تم اختيارهم من عائلة الشيخ نفسها، ثم تم توسيعه إلى 45 عضوا الآن، 30 من إجمالي 45 يتم انتخابهم من قبل مواطنين قطريين، أما الأعضاء الخمسة عشر الآخرون، فيعينهم الأمير نفسه بعد الانتخابات من أجل ” المصلحة العامة ” التي لم ينص عليها أي تشريع، ولا حتى في الدستور نفسه.

ولا شك أن الحرمان التعسفي من حق التصويت أدى إلى إضعاف مبدأ المشاركة السياسية، وهذا ما أثار الجدل المحلي والدولي حول وضع شروط الانتخاب والمواطنة، في وقت الإعلان عن الانتخابات، وما رافق ذلك من احتجاج قبيلة آل مرة ضد قانون المواطنة بسبب حرمان بعض أعضائها من حق الانتخاب.

قبيلة آل مرة تطالب بحقوقها الدستورية

وما زال جوهر هذه الإصلاحات متأخرا في العالم العربي بالنظر إلى حقيقة أن الإصلاحات الأخيرة لم تؤد إلى أي نتيجة ذات مغزى، بل كانت بمثابة كحل لعين رمداء، وتصدير فاشل لسمعة ديمقراطية تتعلق أكثر باستضافة كأس العالم لكرة القدم العام المقبل، ومحاولة بناء الصورة على المستوى العالمي ، كحليف غربي تقدمي وليبرالي في المنطقة.

انضمام متأخر

شهدت منطقة الخليج العربي إصلاحات سياسية في دولها، فقد وسعت عمان مشاركتها السياسية، وتسير المملكة العربية السعودية على طريق الإصلاح السياسي، وفي الكويت برلمان مجتمع مدني فعال، في حين انضمت قطر إلى السباق في وقت متأخر جدا عن اللحاق بخط دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، التي تتميز بعمق وتنوع مؤسسي أكبر بكثير مما هو عليه في قطر.

واختبار بند الإصلاحات لتوسيع المشاركة السياسية سيتم من خلال عوامل الجذب المجتمعية والثقافية التي تنبثق من التقاليد مقابل الحداثة من ناحية والإصلاح السياسي مقابل التركيبة الهيكلية للدولة من ناحية أخرى، مع تحديات الموازنة بين التقاليد والمال والحداثة، لكن طالما أن قطر لم تشهد بعد تغييرًا في هيكلها السياسي، لا يبدو أن هذه الإصلاحات تسير في الاتجاه الذي يمكن أن يتحدى الهيكل السياسي الحالي والسياسة القائمة اليوم.

نوايا مشكوك بها

في حين أن الهدف من الإصلاحات هو توسيع مجلس الشورى لتمثيل أوسع، فإن مركزية السلطة والتهميش السياسي يثيران تساؤلات حول مدى التزام هذه الإصلاحات بنواياها المعلنة، فالمجلس استشاري بطبيعته ويحتفظ الأمير بحق النقض لإلغاء أي اقتراح قد يخل بالوضع الراهن.

انتخابات مجلس الشورى في قطر

وقانون الجنسية المطبق في قطر هو شريان الحياة للمؤسسة الحاكمة لأن هذا “التهميش الاستراتيجي” يساعدها على تقييد الحوافز الاقتصادية لمجموعة صغيرة من الناس، أي الأسرة الحاكمة نفسها، كما أنه يساعد في إبقاء مؤسسات الدولة في نطاق سيطرة الأسرة، التي تتمتع بامتيازات تشمل عدم الضرائب، والرعاية الصحية المجانية، والإعانات، والتعليم، ويعزز “الأسطورة المدنية” التي تضفي الشرعية على النظام وأفعاله المشبوهة.

والتساؤل الآن، هو ما إذا كان التوسع سيؤدي حقا إلى ضم قوى جديدة لوضع نموذج ديمقراطي جديد، إذ لوحظ أن أي إصلاح تم تنفيذه في وقت سابق أدى إلى توسع العائلة المالكة وحدها وليس المشاركة السياسية في حد ذاتها، فقد بقيت الإصلاحات جميعها بعيدة عن صلاحيات الحاكم.

دستور ضعيف

فضلا عن ذلك، فإن دستور الإمارة المبرم منذ عام 2005، ما زال ضعيفا من وجهة نظر الحقوق المدنية والسياسية، إذ لا يسمح بتشكيل الأحزاب السياسية، ومبادرة الإصلاح الأخيرة تجاهلت اقتراح إنشاء البرلمان منذ العام 2007 كما هو مذكور في الدستور.

ولن تضع الإصلاحات أي قيود على السلطة التنفيذية، فالأمير يستحوذ على سلطة تعيين مجلس الوزراء، ويتحكم في جدول الأعمال، ولديه سلطة منع القوانين وتنفيذها بمرسوم ، وفوق كل هذا، بمقدوره حل مجلس الشورى متى شاء.

قانون عمل مهين

كما تتجاهل الإصلاحات الأخيرة قوانين العمل وما يتعلق بها من محنة مجتمع المغتربين، وخاصة العمال، حيث لا تزال قاصرة عن الحفاظ على الحقوق الأساسية للعمال المهاجرين، ورغم إلغاء نظام الكفالة (2018)، بعد رد فعل عنيف من منظمات حقوق الإنسان ومراقبي السياسات، إلا أن عقوبات قاسية على “الفرار” ما زالت موجودة، والإصلاحات العمالية لم تنزع صفة الجرم عن “الهروب”، ومازال هذا النظام على حاله، ويستمر في تسهيل الإساءة إلى القوى العاملة المغتربة في البلاد واستغلالها، وباعتبار أن الإصلاحات الأخيرة صامتة بشأن حقوق العمال، فإن التشاؤم يزيد حول مدى نجاحها.

انتهاكات حقوق العمال تحاصر مونديال قطر

وتقول فاني ساراسواتي، مديرة مشاريع حقوق المهاجرين، إن الإصلاحات في هذا الاتجاه لم تغير شيئا كبيرا لأنها تتيح العمل الجبري ليكون أكثر قبولا.

وقد تم تنفيذ هذه الإصلاحات في ظل التحديات التي تواجهها قطر بسبب سجلها السيئ في الحريات المدنية، والتمييز في العمل، والحساسيات القبلية، ومع وجود جالية كبيرة من المغتربين في قطر وقوة عاملة مستوردة تشكل تحديا للتركيبة السكانية للدولة، فإن التوترات ستظل على طول الخطوط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وستظل الأقلية الصغيرة من المواطنين التي تشكل في الغالب “قطريين أصليين” تسيطر على مؤسسات الدولة، وتضم النخبة الحاكمة وموظفي الجهاز البيروقراطي.

استنتاج

ستظل عملية الإصلاح السياسي معطلة إذا ظلت الأحزاب السياسية غائبة عن القانون، وبالنظر إلى قانون الجنسية التمييزي في قطر، ستظل المشاركة السياسية مجرد خيال، والهدف من هذه الإصلاحات ليس تبني الديمقراطية بقدر ما هو درء أي انتقادات من بقية العالم، بالتالي فإن الحقيقة هي أن قطر لديها نظام تنتخب فيه الحكومة الناخبين وليس العكس.

والقصد الحقيقي ليس إضفاء الطابع الديمقراطي على البلاد، إنما إنهاء الوعد الذي طال انتظاره في الاقتراع، وحفظ ماء الوجه بعد فرط الانتقادات، ويستحيل لهذه الإصلاحات أن تصبح نموذجًا ديمقراطيا للمنطقة ما لم يكن هناك إصلاح شامل لهيكل الحكم.

Exit mobile version