‫الرئيسية‬ أخبار رئيسية رهان قطر على طالبان المنبوذة في مهب الريح

رهان قطر على طالبان المنبوذة في مهب الريح

المساعي الأمريكية تتركز بعد الانسحاب من أفغانستان على سلوك طالبان.

بعد عقدين من الإطاحة بها، في أطول حرب قادتها الولايات المتحدة، عادت طالبان إلى حكم أفغانستان، ومع حلول 30 أغسطس، كانت حرب العشرين عاما، التي أنفق عليها ما يقرب من 978 مليار دولار، قد انتهت بالفعل.

وبغض النظر عما إذا كان قد تم إحراز تقدم في محادثات السلام بين الأفغان وطالبان، أو أن الأخيرة ستقلل من هجماتها على قوات الأمن الأفغانية والمواطنين، وفقا لأبحاث مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، استكملت الولايات المتحدة انسحابها من أفغانستان، وتركتها في أيدي الجماعة الإسلامية المتشددة.

جاء الخروج الأمريكي بعد عملية انسحاب “فوضوية” بإقرار من الرئيس الأمريكي جو بايدن، ملقيا باللوم على قوات الأمن الأفغانية “لفشلها في مواجهة طالبان”، واستمرت لأسبوعين، تم خلالها إجلاء أكثر من 120 ألف شخص، في اليوم التالي، قال بايدن إن على الولايات المتحدة “أن تتعلم من أخطائها” لكنه أكد أن “مهمة مكافحة الإرهاب قد اكتملت”.

في مواجهة مقاومة محدودة، وفي بعض المناطق استسلام قوات الأمن الأفغانية دون مقاومة، اجتاحت طالبان كابول، وانتشرت صور للقطات بثتها قناة الجزيرة القطرية، بشكل حصري، للمقاتلين، الذين اعتادت مرافقتهم في جحورهم، وهم داخل القصر الرئاسي، يلوحون بالبنادق.

طالبان تسيطر على قصر كابل الرئاسي

تجاهلت الجزيرة في تغطيتها اجتياح عشرات الآلاف من الأفغان لمطار كابول، في حالة هلع، محاولين الفرار من حكم طالبان، كما تجاهلت أن الآلاف من الأفغان، الذين ساعدوا الولايات المتحدة وحلفاءها، بالإضافة إلى ما يصل إلى 200 أمريكي، لا زالوا عالقين في أفغانستان.

أفغان يهربون

وركزت الجزيرة بالمقابل، على ما زعمت أنها “عملية تسلم السلطة من قبل طالبان دون إراقة نقطة دم واحدة”، وعلى دور قطر في الجسر الجوي المحموم من كابول، من بين 120 ألف شخص تم إجلاؤهم، مر نصفهم تقريبا عبر قاعدة العديد، وطبعا على عبارات الشكر والثناء من الرئيس بايدن، وزير الخارجية بلينكين ووزير الدفاع أوستن على دور قطر “الحاسم” كخط اتصال رئيسي للغرب.

لكن، كل ذلك أصبح من الماضي الآن، تتركز المساعي الأمريكية بعد الانسحاب من أفغانستان على سلوك طالبان، وهل ستفي بوعودها، التي قدمها المسؤول البارز في الجناح العسكري للجماعة الملا عبد الغني برادار، للمبعوث الأمريكي الخاص زلماي خليل، في المحادثات التي احتضنتها الدوحة، الانسحاب مقابل أن تمنع طالبان الجماعات الإرهابية الدولية من العمل على الأراضي الأفغانية، واحترام حقوق الإنسان، وتشكيل حكومة شاملة.

من نقاط دبلوماسية إلى حرج دبلوماسي

بخلفيات كبيرة، وإضاءة دراماتيكية، استمتعت قطر، خلال ثماني سنوات بإحراز نقاط دبلوماسية، لاستضافتها المحادثات مع طالبان، بين ناطحات السحاب، في فنادق من فئة الخمس نجوم، حتى بات مشهدا اعتياديا أن يصطدم زوار فندق ريتز كارلتون بمتمردين، يرتدون ملابس مموهة، يشربون الشاي في الردهة بين الاجتماعات.

أيضا، يقيم ما بين 500 إلى 600 من أعضاء طالبان مع عائلاتهم في العاصمة القطرية الدوحة، ومن بين هؤلاء الملا عبد الغني برادار، الذي يوصف بأنه ثاني أهم قائد في الجماعة بعد الملا عمر، وفقا لما أكده دبلوماسي مقيم في الخليج لبلومبيرغ.

عبد الغني برادار

ومع ذلك، ورغم هذا الاحتضان الكبير، تعتقد بلومبيرغ أنه ليس من الواضح بعد كيف ستعمل قطر على سد الفجوة بين قادة طالبان المهتمين بالصورة التي تستضيفها وتروج لها الجزيرة، وبين الجناح العسكري لطالبان، خاصة وأن قطر وجدت صعوبة، بحسب دبلوماسيون غربيون، في التعامل مع بارادار المسؤول البارز في هذا الجناح.

في حين أكدت جين كينينمونت، محللة الشرق الأوسط في شبكة القيادة الأوروبية أن “قطر هي قناة مهمة بين طالبان وبقية العالم، لكنها لا تمارس هذا النوع من التأثير العميق على المجموعة كالذي تمارسه باكستان”.

وقالت كينينمونت: “علاقة قطر مع طالبان ركزت بشكل كبير على الوساطة والعلاقات الدولية. لذلك فهي تؤثر على قسم فرعي معين من طالبان، أولئك الذين يريدون التعامل مع العالم الخارجي، ولديهم علاقات عملية تمكنهم من الوصول إلى المساعدة والتجارة فقط”

أفعال طالبان المبكرة غير مشجعة

منحت قطر طالبان خلال المحادثات وما بعد استيلائها على الحكم، منبرا لإعادة صياغة نفسها على أنها أكثر اعتدالا، وجاهزة لحكومة شاملة يعترف بها الغرب، عبر قناة الجزيرة.

رموز النظام القطري روجوا أيضا للعلامة التجارية “طالبان جديدة”، حيث طالب حمد بن جاسم، رئيس وزراء قطر السابق، في سلسلة تغريدات، بالتحدث بشكل مباشر مع طالبان بعد أن “عادت إلى السلطة منتصرة” حسب قوله.

وأضاف: “على العالم أن يحترم الوضع الحالي في أفغانستان، وألا يتخذ إجراءات للتضيق عليهم، وعلى المجتمع الدولي أن يعطيهم الأمل بأنه سيقبلهم، ويتعاون معهم، مقابل التزامهم بالأعراف الدولية”.

وبينما يزعم حمد بن جاسم وحكام قطر أن هناك مؤشرات إيجابية على سلوك طالبان، وأنهم طوروا فكرهم بحيث يكونوا مقبولين دوليا ومتسامحين داخليا، لا تزال الحكومات الغربية والمنظمات الدولية تخجل من الاعتراف بجماعة لم تثبت بعد أنها مختلفة عن تلك المنبوذ دوليا في التسعينيات، فأفعالهم المبكرة وأعمالهم الانتقامية لم تكن مشجعة، حسب تقارير صحافية، أكدت أيضا أن على قطر أن تقلق بشأن سياستها الخارجية “ذات المخاطر العالية”.

حمد بن جاسم

تقول بلومبيرغ، إن العلاقة، التي تمت رعايتها بشق الأنفس خلال العقد الماضي، مع منظمة اشتهرت بإيوائها أسامة بن لادن يمكن أن تصبح سريعا عبئا على قطر، إذا فشلت في إيصال مظهر طالبان الجديد، الذي حاولت رعايته للعالم، وتضيف: “إذا أصبحت أفغانستان، مرة أخرى، ملاذا للإرهابيين، قد تصبح العلاقات التي تجمع قطر بطالبان مشكلة كبيرة”.

وهذا ما عبرت عنه كينينمونت بقولها: “يمكن أن تشعر قطر بالحرج بسهولة، وقد ترغب في النأي بنفسها عن طالبان أو على الأقل عن بعض قادتها، صحيح أن بعض أعضاء طالبان يستخدمون الآن لغة تروق دوليا، لكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه القابلية الجديدة للتقديم هي أكثر بكثير من مجرد إعادة تسمية للعلامة التجارية”.

لا يتوفر حتى الآن أي دليل على أن قطر “يمكن أن تؤثر على نهج طالبان في تعليم النساء والفتيات، وهو مطلب أساسي لدى الغرب، كما أن طالبان أصحبوا أحرارا في الحكم فأي تأثير لقطر بعدم تحويلها إلى ملاذ آمن للمنظمات الإرهابية؟” تتساءل محللة الشرق الأوسط في شبكة القيادة الأوروبية.

قطر محفظة مالية لا أكثر!

من جهتها، قالت صحيفة إيكونومست إن “خروج أمريكا المخزي من كابول كان نعمة دبلوماسية لقطر. لكن الإمارة الصغيرة، التي يقطنها ثلاثة ملايين شخص فقط (20 بالمئة منهم فقط مواطنون)، والتي لعبت دورا مركزيا في بداية النهاية، وفي النهاية نفسها، والتي لا زالت تعتقد أيضاً أن لديها دور حيوي كمحاور بين حكام أفغانستان الجدد والغرب، قد تكافح لتقديم الكثير لأي من الجانبين”.

صحيح أن جهود قطر في المحادثات والانسحاب من أفغانستان جلبت الثناء من الإدارة الأمريكية، “ما من دولة فعلت أكثر من قطر” دعاية أفضل مما يمكن أن يشتريه أي عقد ضغط باهظ الثمن، لكن السؤال الأهم الآن هو إلى متى سيستمر نفوذ قطر؟

وتجيب أيكونومست على السؤال الذي طرحته بنفسها “بأن الكثير من نفوذ قطر جاء من دورها كوسيط ومضيف، ومع رحيل الأمريكيين وانهيار الحكومة الأفغانية القديمة، لم يعد هناك محادثات للتوسط. طالبان أحرار في الحكم كما يحلو لهم، والسعي إلى علاقات دبلوماسية جديدة”، في إشارة إلى أن رهان الدوحة على كسب المزيد من النقاط الدبلوماسية أصبح في مهب الريح.

ومن هنا، تعتقد إيكونومست أن الأمل في قطر هو أن الاقتصاد سيوفر نفوذا مستمرا، وذلك في ظل حاجة طالبان إلى إبقاء البلاد واقفة على قدميها، وسط ما يشبه أزمة ميزان المدفوعات، التي تلوح في الأفق، بعد إيقاف واشنطن وشحنات الدولارات التي كانت تصل يوميا إلى بلد يعتمد بنسبة 70 بالمئة على المساعدات الخارجية، وتجميدها ما يقرب من 9.5 مليار دولار من الأصول المملوكة للبنك المركزي الأفغاني.

ومع ذلك، تستدرك الصحيفة، بأن مقدار ما تستثمره قطر في أفغانستان سيعتمد على الطريقة التي تحكم بها طالبان: “الأنظمة الوحشية سيئة لسمعتك، والأنظمة المتقطعة ضارة بأموالك، حتما إذا اختار بايدن الإبقاء على عقوبات صارمة على طالبان، فستحتاج قطر إلى الابتعاد عنها”.

يبدو أن إيكونومست استندت في تحليلها هذا على ما وصفتها “بالضربة الكبيرة الأخيرة التي تلقتها قطر في السياسة الإقليمية”.

إذ تقول الصحيفة “في الأيام الأولى للربيع العربي، بدا أن مقامرة النظام القطري على الإسلاميين “الإخوان المسلمين” تؤتي ثمارها، استولوا على السلطة في الانتخابات في تونس ومصر، وشكلوا ميليشيات قوية في ليبيا وسوريا، لكن في غضون سنوات قليلة، أصبحت أصول قطر في الغالب التزامات”.

وتضيف: “أثبت رهان قطر على حلفائها الإسلاميين أنهم غير أكفاء ومسببين للانقسام، كما أضروا بسمعتها”، مؤكدة بما لا يدع مجالا للشك أن “رهان قطر على طالبان يسير في نفس الاتجاه”.

‫شاهد أيضًا‬

فضيحة من العيار الثقيل.. الفساد القطري يصل للأمير تشارلز

كشفت الصحافة البريطانية عن حصول ولي عهد المملكة المتحدة الأمير تشارلز على حقائب تحتوي على …